ما أعطي محمد صلى الله عليه وسلم وما أعطي صالح عليه السلام وأيهما أفضل في الأعطية

ما أعطي محمد صلى الله عليه وسلم وما أعطي صالح عليه السلام
وأيهما أفضل في الأعطية
قبل أن نبدأ اسمحوا لي أن نستعرض قطوف من سيرة نبي الله صالح عليه السلام
قبيلته عليه السلام :
وهم قبيلة مشهورة ، يقال لهم : ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس ، وهما ابنا عاثر بن إرم بن سام بن نوح
وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك ، وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين  وكانوا بعد قوم عاد وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك .
وكثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة براءة وإبراهيم والفرقان وسورة ص وسورة ق والنجم والفجر .
قصته عليه السلام مع قومه :
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم ، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله ، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم ، فقالوا له : إن إنت أخرجت لنا من هذه الصخرة – وأشاروا إلى صخرة هناك – ناقة ، من صفتها كيت وكيت ، وذكروا أوصافاً سموها  ونعتوها وتعنتوا فيها ، وأن تكون عشراء ، طويلة ، من صفتها كذا وكذا ، فقال لهم النبي صالح عليه السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم ، على الوجه الذي طلبيتم ، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به ؟ قالوا : نعم ، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك .
       ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا ، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء ، على الوجه المطلوب الذي طلبوا ، أو على الصفة التي نعتوا .
       فلما عاينوها كذلك ، رأوا أمراً عظيماً ، ومنظرا هائلاً ، وقدرة باهرة ، ودليلاً قاطعاً ، وبرهاناً ساطعاً ، فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم ، ولهذا قال ( فظلموا بها ) أي : جحدوا بها ، ولم يتبعوا الحق بسببها ، أي : أكثرهم ، وكان رئيس الذين امنوا : جندع بن عمروا بن محلاة بن لبيد بن جواس ، وكان من رؤسائهم ، وهم بقية الأشراف بالإسلام ، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد ، والحباب ، صاحب أوثانهم ، ورياب بن صعر بن جلمس ، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة ، وكان من أشرافهم ، فهم بالإسلام فنهاه أولئك ، فمال إليهم ، فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له : مهرش بن غنمة بن الذمبل رحمه الله
ولهذا قال لهم صالح عليه السلام ( هذه ناقة الله ) أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم ، كقوله ، بيت الله وعبد الله ( لكم آية ) أي : دليلاً على صدق ما جئتكم به ( فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب )
       فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ، ترعى حيث شاءت من أرضهم ، وترد الماء يوماً بعد يوم ، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يوما ذلك ، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم ، ويقال : أنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ، ولهذا قال ( لها شرب ولكم شرب يوم معلوم )
            ولهذا قال تعالى ( إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم ) أي : اختباراً لهم أيؤمنون بها أم يكفرون ؟ والله أعلم بما يفعلون  ( فأرتقبهم ) أي : انتظر ما يكون من أمرهم  ( واصطبر ) على آذاهم فسيأتيك الخبر على جلية ( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر ) .
       فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع أمرهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم ، قال الله تعالى ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالو يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) .
       وكان الذين تولى قتلها منهم رئيسهم : قدار بن سالف بن جندع ، وكان أحمر أزرق أصهب وكان يقال : إنه ولد زانية ، ولد على فراش سالف ، وهو ابن رجل يقال له : صيبان
وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم ، فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم .

       الإغراءات التي وضعت مقابل قتل الناقة :
وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين : أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما صدوفة ابنة المحيا بن زهير بن المختار ، وكانت ذات حسب ومال ، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته فدعت ابن عم لها يقال له مصرع بن مهرج بن المحيا ، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة
واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم بن مجلز ، وتكنى أم عثمان ، وكانت عجوزاً كافرة ، لها بنات من زوجها ؤاب بن عمرو أحد الرؤساء ، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف ، إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء ، فانتدب هذان الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك ، فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة ، وهم المذكورون في قوله تعالى ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) ، وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها ، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك ، فانطلقوا يرصدون الناقة ، فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها ، وجاء النساء يذمرن القبيلة في قتلها ، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم في ذلك ، فابتدرهم قدار بن سالف ، فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض ، ورغت رغاة واحدة عظيمة – فصعد جبلاً منيعاً ورغا ثلاثا .
       وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن  سمع الحسن أنه قال : يا رب أين أمي ، ثم دخل في صخرة فغاب فيها ، ويقال : بل اتبعوه فعقروه أيضاً .
       قال الإمام أحمد : حدثنا عبدالله بن نمير، حدثنا هشام -  أبو عروة – عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال ( إذ انبعث أشقاها ) : انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة .
أخرجاه من حديث هشام به . عارم : أي : شهم . عزيز ، أي : رئيس ، منيع ، أي : مطاع في قومه .
وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف ، لعنه الله ، فعرقبها فسقطت إلى الأرض  ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها ، فلما عاين ذلك سقبها ، وهو ولدها – شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك ، و رغا ثلاث مرات .

وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم فأهلكهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم ، وأصبحت ثمود يوم الخميس ، وهو اليوم الأول من أيام النظرة ، و وجوهم مصفرة كما أنذرهم صالح عليه السلام، فلما  أمسوا نادوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل ، ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل -وهو يوم الجمعة – و وجوهم محمرة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى يومان من الأجل ، ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع -وهو يوم السبت – و وجوهم مسودة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى الأجل .
       وقوع العذاب بهم عياذا بالله :
فلما كان صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة لا يدرون كيف يفعل بهم ؟ ولا من أي جهة يأتيهم العذاب .
       فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ، ورجفة من أسفل منهم ، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس ، وسكنت الحركات ، وخشعت الأصوات ، وحقت الحقائق ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ، جثثاً لا أرواح فيها، ولا حراك بها ، قالوا : ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة واسمها كلبة بنت السلق ، ويقال لها : الذريعة – وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام ، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها ، فقامت تسعى كأسرع شيء ، فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها واستسقتهم ماء ، فما شرب ماتت .
       قال تعالى : ( كأن لم يغنوا فيها ) أي : لم يقيموا فيها سعة ورزق وغناء ، ( ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ) أي : نادى عليهم لسان القدر .
وقوله تعالى ( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) ، إخبار عن صالح عليه السلام ، أنه خاطب قومه ، بعد هلاكهم ، وقد أخد في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم ( يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ) أي : جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني وحرصت على ذلك بقولي وفعلي ونيتي .
       ( ولكن لا تحبون الناصحين ) أي : لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده ، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم ، المستمر بكم المتصل إلى الأبد ، وليس لي فيكم حيلة ، ولا لي بالدفع عنكم يدان ، والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلت ، وبذلته لكم ، ولكن الله يفعل ما يريد .
وهكذا خاطب الني صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال ، وقف عليهم وقد ركب راحلته ، وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال : ( يا أهل القليب ) هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ) وقال لهم فيما قال : ( بئس عشيرة النبي التي كنتم لنبيكم)  كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة الني كنتم لنبيكم ) فقال له عمر :  يا رسول الله تخاطب أقواما قد جيفوا ؟  فقال :
 والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ،  ولكنهم لا يجيبون .
ذكر مرور النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك :
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن أبي عمر قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها  ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا القدور ، فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور ، وعلفوا العجين الابل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم ) .
وقال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا عبدالعزيز بن مسلم ، حدثنا عبدالله بن دينار ، عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر : (  لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم) .
الشاهد :
القول فيما أوتي صالح عليه السلام :
قال أبو نعيم فإن قيل : فقد أخرج الله لصالح ناقة من الصخرة جعلها الله له آية وحجة على قومه وجعل لها شرب يوم ، ولهم شرب يوم معلوم ، قلنا : وقد أعطى الله محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك بل أبلغ لأن ناقة صالح لم تكلمه ولم تشهد له بالنبوة والرسالة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم شهد له البعير بالرسالة ، وشكا إليه ما يلقى من أهله ، من أنه يجيعونه ويريدون ذبحه ، ثم ساق الحديث بذلك كما قدمنا في دلائل النبوة بطرقه وألفاظه وغرره بما أغنى عن إعادته هاهنا ، وهو في ( الصحاح ) و ( الحسان ) و ( المسانيد ) ، وقد ذكرنا مع ذلك حديث الغزالة ، وحديث الضب وشهادتهما له صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، كما تقدم التـنبيه على ذلك والكلام فيه ، وثبت الحديث  في ( الصحيح ) بتسليم الحجر عليه قبل أن يُبعث ، وكذلك سلام الأشجار والأحجار والمدر عليه قبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم .
لطفاً قل ( اللهم صلي وسلم على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم )

المراجع
المؤلف
قصص الأنبياء
ابن كثير الدمشقي رحمه الله
البداية والنهاية
ابن كثير الدمشقي رحمه الله


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الصفات الإيجابية والسلبية للمعلم

معنى الاستسقاء

أول خارجي في الإسلام