24. قطوف من السيرة المحمدية " حماقة أبي جهل أثمر عنها إسلام أبي عمارة - أسد الله - "
قطوف من السيرة المحمدية
على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم
" العناوين "
تعريف الحماقة ، عناد مقيت وهوى أحمق ، ذكر نماذج لبعض
الحمقى الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به لحمقهم ، حماقة أبي
جهل أثمر عنها إسلام أبي عمارة " أسد الله " ، إسلام فاروق الأمة عمر
ابن الخطاب ، المراجع .
" التفاصيل "
تعريف الحماقة :
قال ابن الأعرابي : الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت فكأنه كاسد
العقل والرأي ، فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر من أموره . قال الشاعر :
لكل داء دواء يستطب به ،،، إلا الحماقة أعيت من يداويها
عناد مقيت وهوى أحمق :
طال تعجبي من أقوام لهم أنفة ، وعندهم كبر زائد عن الحد ، خصوصا العرب
الذين من كلمة ينفرون ، ويحاربون ، ويرضون بالقليل ، حتى أن قوما منهم أدركوا
الإسلام ، فقالوا : كيف نركع ، ونسجد ، فتعلونا استاهنا " مؤخرتهم
" ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود " ، ومع هذه الأنفة يذلون
لمن هم خير منهم .. هذا يعبد حجرا ، وهذا يعبد خشبة ، وقد كان قوم يعبدون الخيل
والبقر ، وإن هؤلاء لأخس من إبليس ، فإن إبليس أنف لادعائه الكمال أن يسجد لناقص ،
فقال : ( أنا خير ) " الأعراف :12 "
، وفرعون أنف أن يعبد شيئا أصلا . فالعجب من ذل هؤلاء المفتخرين المتعاظمين
المتكبرين لحجر أو خشبة ! وإنما ينبغي أن يذل الناقص للكامل . فنعوذ بالله من
حماقة هوى يغطي على نور العقل ، ونسأله إلهام الرشد ، والعمل بمقتضى الحق !
ذكر نماذج لبعض الحمقى الذين أدركوا النبي صلى الله
عليه وسلم ولم يؤمنوا به لحمقهم :
أولهم : أمية بن أبي الصلت الثقفي :
أقر برسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما هم أن يذهب له ليؤمن به ،
يعود فيقول : لا أؤمن برسول ليس من ثقيف .
ثانيهم
: أبو جهل " عمرو بن هشام " :
يقول : والله ما كذب محمد قط ، ولكن إذا كانت السدانة - خدمة الكعبة –
والحجابة في بني هاشم ثم النبوة ، فما بقي لنا ؟ . وفي رواية : قال – معللا كفره برسالة محمد صلى الله عليه
وسلم - : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف ، حتى إذا صرنا كفرسي رهان ، قالوا : منا
نبي يوحى إليه ! والله لا نؤمن به ، ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه !
حماقة أبي جهل أثمر عنها إسلام أبي عمارة - أسد الله - :
إن الأفق المتلبد بالسحب قد يتولد منه برق يضيء ، لقد غبرت على
المسلمين في مكة أيام عكاظ ، اضطرت بيوتا عديدة أن تفرّ بدينها ، وبقي من بقي منهم
يكابد العنت من شطط المشركين وكيدهم ، إلا أن عناصر جديدة دخلت في الإسلام جعلت
قريشا تتروى في أمرها ، قبل أن تقدم على إساءاتها المبيتة .
أسلم حمزة بن عبد المطلب ، عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من
الرضاع ، وهو رجل أيد جلد ، قوي الشكيمة ، وسبب إسلامه الغضب لما بلغه من تهجم أبي
جهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تهجما بذيئا ، قالت له أمة لعبد الله بن
جدعان : يا أبا عمارة ! لو رأيت ما لقي ابن أخيك ( محمد ) من أبي الحكم بن هشام ،
فإنه سبه وآذاه ، ثم انصرف عنه ، ولم يكلمه محمد – وكانت المرأة قد شهدت هذا
الحادث من مسكن قريب – فأسرع حمزة محنقا ، لا يلوي على شيء ، وأقبل على أبي جهل
وهو في مجلسه من قومه ، ثم ضرب رأسه بالقوس ، فشجه شجة منكرة وقال : أتشتمه وأنا
على دينه ؟! .
وكما يقول البعض : طلبنا العلم للدنيا ، فأبى الله إلا أن يكون للدين
! كان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل أبى أن يهان مولاه ، ثم شرح الله صدره ،
فاستمسك بالعروة الوثقى ، واعتزّ به المسلمون أيما اعتزاز .
كان عمر بن الخطاب أول الفتانين المستهزئين بالإٍسلام ، وكان معروفا
بحدة الطبع ، وقوة الشكيمة ، وطالما لقيَ المسلمون منه ألوان الأذى.
روت زوجة عامر بن ربيعة قالت : إنا لنرحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر لبعض حاجته ‘ إذ أقبل عمر – وهو
على شركه – حتى وقف عليّ ، وكنا نلقى منه البلاء ، فقال : أتنطلقون يا أم عبد الله
؟ قالت : نعم والله لنخرجن في أرض الله ، فقد آذيتمونا ، وقهرتمونا ، حتى يجعل
الله لنا فرجا . قالت : فقال عمر : صحبكم الله ، ورأيت له رقة وحزنا .. ! قالت : فلما عاد عامر أخبرته ، وقلت له : لو
رأيت عمر ورقته وحزنه علينا ... قال : أطمعت في إسلامه ؟ قلت : نعم . فقال : لا
يسلم حتى يسلم حمار الخطاب !! – لما كان يراه الرجل من شدته وغلظته على المسلمين .
ولكن قلب المرأة كان أصدق من رأي الرجل ، فإن غلظة عمر كانت قشرة
خفيفة ، تكمن وراءها ينابيع الرقة والعطف والسماحة . والظاهر أن عمر كانت تصطرع في
نفسه مشاعر متناقضة : احترامه للتقاليد التي سنها الآباء والأجداد ، واسترساله مع
شهوات السكر واللهو التي ألفها .. ثم إعجابه بصلابة المسلمين ، واحتمالهم البلاء
في سبيل عقيدتهم ، ثم الشكوك التي تساوره – كأي عاقل – في أن ما يدعو إليه الإسلام
قد يكون أجل وأزكى من غيره ، ولهذا ما إن يثور حتى يخور ، ذهب ليقتل محمدا صلى
الله عليه وسلم ثم ثنته عن عزمه كلمة . ولما علم بإسلام أخته وزوجها اقتحم عليهما
البيت صاخبا متوعدا ، وضرب أخته فشجها ، وأعاد منظر الدم المراق إلى صوابه ، فخرجت
نواحي البر والخير في نفسه ، وتناول ورقة كتبت فيها بعض الآيات ، وتلاها ، ثم قال
: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه .
واستكان عمر للحق ، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن
إسلامه . فلما خلصت نفسه من شوائبها ، وتاقت للإسلام ، كان مددا عظيما لجند الله ،
فازداد المسلمون به منعة ، ووقعت في نفوس الكافرين منه حسرة.
قال ابن مسعود رضى الله عنه
كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرا وكانت إمارته رحمة .
وفي رواية
، قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .
ورأت قريش أن أمر الإسلام ينمو ويعلو ، وأن وسائلها الأولى في محاربته
لم تمنع انتشاره ، أو تنفر أنصاره ، فأعادت النظر في موقفها كله ، لترسم خطة جديدة أقسى وأحكم ، وأدق وأشمل .
-
انتهى -
فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا
محمد " عليه الصلاة والسلام "
المراجع :
-
من كتاب المستطرف في كل فن
مستظرف للمؤلف / شهاب الدين محمد الأبشيهي رحمه
الله – الباب
الثاني : في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك – ص 22 – طبعة : دار الكتب
العلمية .
-
من كتاب صيد الخاطر للمؤلف الإمام / أبي الفرج ابن الجوزي رحمه
الله – فصل : عناد مقيت وهوى أحمق – ص 345 ، 346 –
طبعة : اليمامة .
-
من كتاب فقه السيرة للمؤلف الشيخ / محمد الغزالي رحمه الله – فصل : العرب حين البعثة ( ص 26 ) + فصل : إسلام حمزة
وعمر رضي الله عنهما ( ص 125 ، 126 ) طبعة : دار البشير .
-
من كتاب عمر ابن الخطاب ثاني
الخلفاء الراشدين للمؤلف أ / محمد رضا رحمه الله – فصل : حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ص 15 ) طبعة : دار الكتاب العربي .
-
من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه
الله – فصل : إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ص
101 ) طبعة : دار ابن حزم .
تعليقات
إرسال تعليق