العقل ومراحل العمر !

تفكر لو أنك ولدت عاقلا فهيماً كحالك في كبرك لتنغصت عليك حياتك أعظم تنغيص ، وتنكدت أعظم تنكيد ، لأنك ترى نفسك محمولا رضيعاً مُعصّباً بالخرق مربّطاً مسجوناً في المهد عاجزاً ضعيفا عمّا يحاوله الكبير ، فكيف كان يكون عيشك مع تعقلك التّام في هذه الحالة ؟ ثم لم يكن يوجد لك من الحلاوة واللطافة والوقع في القلب والرحمة بك ما يوجد للمولود الطفل ، بل تكون أنكد خلق الله وأثقلهم وأعنتهم وأكثرهم فضولاً ، وكان دخولك هذا العالم وأنت غبيُ لا تعقل شيئاً ولا تعلم ما فيه أهل محض الحكمة والرحمة بك والتدبير ، فتلقى الأشياء بذهن ضعيف ومعرفة ناقصة ، ثم لا يزال يتزايد فيك العقل والمعرفة شيئاً فشيئاً حتى تألف الأشياء وتتمرن عليها وتخرج من التأمل لها والحيرة فيها وتستقبلها بحسن التصرف فيها والتدبير لها والإتقان لها . انتهى .
المرجع :
من كتاب مفتاح دار السعادة  .
للمؤلف :
الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله  .
فصل :
في النظر في خلق الإنسان .
ط / دار ابن حزم  "  ص 359  ".
بتصرف .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من الصفات الإيجابية والسلبية للمعلم

معنى الاستسقاء

أول خارجي في الإسلام